السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
أهلاً وسهلاً بكم وبرنامجنا الجديد "الكنز المفقود"
أحسن حاجة مع حبيبك أن تراه وأن تشعر أنك قريب منه والله عز وجل هو حبيبنا جميعاً. وقد أخبرنا الله أننا لن نراه فى الدنيا وإنما سنراه بذاته فى الأخرة فى الجنة إن شاء الله.
لكن الله ظهر فى كونه ظهور صفات لا ظهور ذات. أى أننا من الممكن أن نحيا معه فى الدنيا ونستطيع أن نرى فى كل موقف يمر بنا وكل حدث يحدث لنا نرى صفة من صفات الله عز وجل ونرى أفعاله ونرى حكمته وعظمته فى كل المواقف بحيث أننا كلما ترى أعيننا شىء ترى قلوبنا حكمة الله فى هذا الشىء.
لذلك قال العلماء أن الصالحين الذين يعيشون مع الله شايفين قدرته تعالى فى صنعته وشايفين حكمته فى بلائه وشايفين كرمه فى نعمته سبحانه وتعالى. جنة جميلة فى الدنيا قبل أن نذهب لجنة الله فى الآخرة أن تحيا مع الله. فلا تنشغل عينك بالمخلوقات فقط بل يجب أن تنشغل قلوبنا قبل اعيننا بالله عز وجل. وأحلى شىء أن عين قلبك ترى الله فى كل شىء. وهذا هو معنى الكلمة التى دخلنا بها الإسلام وهى "أشهد" أن لا إله إلا الله. والعلماء قالوا أن الشهادة عكس الغيب فمع أننا لا نرى الله ولا نشاهده. لكن من الممكن أن نراه فى جنة الدنيا وذلك بأن نرى أفعال الله وصفات الله فى كل لحظة فى الدنيا. وهذا معنى"ان تعبد الله كأنك تراه".
قال تعالى: (( بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ )) فالله طلب منا حسن الإسلام والأحسان أن تعبد الله كأنك تراه. وهذا البرنامج قفزة كبيرة فى القرب من الله. وسنتكلم فيه عن معانى كثيرة وأحداث كثيرة .عندما نشعر بها نرى الله أولا ً فنحيا مع الله فى هذا الموقف ونعلم أن الله هو المدبر الحقيقى فلا ننشغل بالنعم عن المنعم. ولا ننشغل بالغضب فى المصيبة عن المبتلى جل وعلاه.
لذلك الله عندما قال فى القرآن: ((وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي "قال" فَإِنِّي قَرِيبٌ)) ولم يقل فأنتم قريب. لأن الله قريب من كل الناس ولكن ليس كل الناس يرون الله بقلوبهم. أى إنسان لو أصاب عينه مرض يذهب للطبيب كى يعالجها لكى لايفوته جمال الدنيا التى يراها.
أما الصالحين عندما يشعروا بمرض فى القلب من كبر أوحسد أوعُجب فإنهم يسرعوا الى أطباء القلوب من العلماء العارفين الصالحين لآنهم لايريدوا أن يصيب قلوبهم أى مرض يحجبهم عن رؤية الله عز وجل. لأن للقلب عين أغلى من عين الوجه وقد سماها الله فى القرآن عين البصيرة فى قوله: ((فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ)).
لذلك الصالحين يرون الله فى كل شىء فعندما يتصدق الرجل الصالح بصدقة فإنه يرى الله عزوجل فى هذة الصدقة. وهذا هو ما علمه لنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فى قوله: "من تصدق بصدقة من كسب طيب وإن الله لايقبل إلا الطيب فان الله يقبلها بيمينه " و أحد الصالحين فهم هذا المعنى. وعندما خرج من بيته يوما ً ولقى فقيرا ً فأعطاه صدقة وقال له: "خذ لا لك" أى خذ هذة الصدقة وهى ليست لك وإنما لله عز وجل. فكان هذا الفقير يفهم هذا المعنى فقال له "هات لا منك" أى أن الله هو الذى أجرى هذة الصدقة على يديك.
كذلك كانت السيدة عائشة تعطر الدراهم قبل إعطائها للفقراء وكانت تقول عندما سُئلت عن ذلك قالت لأنها تقع فى يد الله أولا ً. فشتان بين الذى يحيا مع الخالق وبين الذى يحيا مع المخلوقات.
لذلك الله عز وجل قال فى القرآن: (( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً رَجُلاً فيهِ شُركاءُ مُتَشاكِسونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَويانِ مَثلاً الْحَمْدُ للهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ )). ومعنى هذه الآية أن من الناس من يخشى من مديره إلا يرزقة لانه لا يرى أن الله هو الرزاق. ويخشى من كلام الناس عليه لأنه يعتقد أن العز بيد الناس. فهذا مثله مثل عبد له أربع أو خمس اسياد هذا يقول له يمين وهذا يقول له شمال. فيحيا مُشتت فى الدنيا. أما الأخر "رجل سلما ً لرجل" فله سيد واحد يأتمر بأمره فلا يحيا مشتت فى الدنيا. لذلك عندما يحدث أى حدث فى الدنيا من قدر الله لا يحتمله أى أحد ولايقدر نعمة الله أى أحد لأن الذى يرى المنعم قبل أن يرى النعم لا يستهين بها. فأى نعمة من عند الله لايزدريها أحد لو رأى المنعم وإنها من عند الله فيجل النعمة إجلا لا ً للمنعم . وكذلك ايضا ً فى البلاء.
كما قال العلماء العارفين "ساعدهم على تحمل أقداره شهودهم حسن إختياره" أى أن الذى جعلهم يتحملوا قدر الله وبلاءه انهم يروا أن هذه الأحداث و المصائب من عند الله عز وجل:
(( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ)) لذلك أى أمر يحدث فى الدنيا تذكر قوله تعالى: (( قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَمَالِ هَؤُلَاءِ الْقَوْمِ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا)). أى أن الفاعل الحقيقى الوحيد فى الكون هو الله عز وجل.
--- فاصل ---
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الكنز المفقود هو رؤية الله عزوجل فى كل شىء وقبل كل شىء وبعد كل شىء جنة يحياها الصالحون أنهم عايشين مع المدبر الخالق الرزاق فيروا أى شىء يحدث فى الدنيا من فعل الله ومن قدر الله فلا ينشغلوا بأى شىء عن الله تعالى. فتجدهم فى النعم شاكرين وفى البلاء صابرين لأنهم يرون الله فى كل شىء لذلك الله عز وجل يقول (( وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ )).
اتعلمون أن مشكلة الخشوع فى الصلاة أننا نحيا فى الدنيا. أى أننا عندما نصلى نكون مشغولين بأحوال الدنيا وهمومها ولا نشعر بتدير الله لحياتنا. فلكى نخشع فى الصلاة محتاجين أن نخلع عباءة الدنيا ونرتدى عباءة الخشوع واستحضار القرب من الله والتى يسميها إبن تيمية وإبن القيم "الحضرة الإلهيه". لذلك الله عاتب على الناس لأنهم يروا الدنيا بأعينهم لا بقلوبهم.
قال تعالى: (( وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ))
أى أنهم لا يرون بقلوبهم حكمة الملك ولا صفات الملك فى كل لحظة. لذلك عين الوجه تقع على الأحداث وعلى المخلوقات. أما عين القلب فترى الله فى كل لحظة. فعمرك لم يبدأ عندما نزلت من بطن أمك وإنما بدأ عمرك عندما رأى قلبك الله وشعر بقربة. وهذا هو الكنز المفقود. رؤية الله فى كل شىء وقبل أى شىء وبعد أى شىء. لذلك كل يوم سنتحدث عن حديث قدسى لأن الاحاديث القدسية نبع خصب يتحدث الله فيها عن نفسه وعن حكمته وعن أفعاله وعن مراده من خلقه.
سيدنا موسى عندما طلب من الله أن يراه وذلك فى قوله: ((رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ))
علمه الله شىء لكل الناس.قال له الله انظر الى أفعالى يرانى قلبك فتزداد إيمانا ً.
قال تعالى: (( قَالَ لَن تَرَٮٰنِى وَلَـٰكِنِ ٱنظُرۡ إِلَى ٱلۡجَبَلِ فَإِنِ ٱسۡتَقَرَّ مَڪَانَهُ ۥ فَسَوۡفَ تَرَٮٰنِىۚ فَلَمَّا تَجَلَّىٰ رَبُّهُ ۥ لِلۡجَبَلِ جَعَلَهُ ۥ دَڪًّ۬ا وَخَرَّ مُوسَىٰ صَعِقً۬اۚ فَلَمَّآ أَفَاقَ قَالَ سُبۡحَـٰنَكَ تُبۡتُ إِلَيۡكَ وَأَنَا۟ أَوَّلُ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ )).
فعندما رأى موسى بعينه الحدث رأى قلبه عظمة الله فى هذا الحدث. قال إبن تيمية "فى الدنيا جنة هى معرفة الله" وأول حديث قدسى سنتحدث عنه عن صفة النبى (صلى الله عليه وسلم) فى التوراة.
قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): قال الله: " يا أيها النبى إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً. أنت عبدى ورسولى سميتك المتوكل ليس بفظٍ ولا غليظٍ ولا صخابٍ فى الاسواق. ولايدفع السيئة بالسيئة ولكن يعفوا ويغفر ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجاء فيفتح به اعينا ًعميا وأذاناً صما وقلوباً غلفا".
صدق رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فيما بلغة عن ربه. وهذا الحديث القدسى يتحدث عن صفة النبى (صلي الله عليه وسلم) فى التوراة. وفى هذا الحديث وصف الله تعالى نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) بالمتوكل.
والتوكل:هو إعتماد القلب على الله مع الأخذ بالأسباب. والمتوكل هو الذى لا يرى رزاق إلا الله سبحانه وتعالى. وهو الذى يرى أن النافع والضار هو الله عز وجل.
قال تعالى: ((قُلۡ مَن يَرۡزُقُكُم مِّنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلۡأَرۡضِ أَمَّن يَمۡلِكُ ٱلسَّمۡعَ وَٱلۡأَبۡصَـٰرَ وَمَن يُخۡرِجُ ٱلۡحَىَّ مِنَ ٱلۡمَيِّتِ وَيُخۡرِجُ ٱلۡمَيِّتَ مِنَ ٱلۡحَىِّ وَمَن يُدَبِّرُ ٱلۡأَمۡرَۚ فَسَيَقُولُونَ ٱللَّهُۚ فَقُلۡ أَفَلَا تَتَّقُونَ)).
فإعتمد بقلبك على الله وإجتهد وقدم ما عندك وقلبك موصول بالله حتى تكون متوكل حق التوكل. والفظ والغليظ هو الذى يتعامل مع الناس بقسوة وغلظة. والإنسان الفظ نسى أن الناس الذين جعلوة غليظا ً معهم هم فتنة له وإن الله قد أبتلاه بهم كى يعالجوه.
قال تعالى: (( وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ )) والصخب: هو الصياح والكلام بصوت مرتفع (( وَلَنْ يَقْبِضَهُ اللَّهُ حَتَّى يُقِيمَ بِهِ الْمِلَّةَ الْعَوْجَاءَ " أى يصلح به الدين والدنيا
فجاء النبى (صلى الله عليه وسلم) وأصلح الأحوال وأقام الشريعة السليمة.
وصلي اللهم وسلم على سيدنا محمد
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منقول