الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.. مرة أخرى أهلا وسهلا بكم مع برنامجنا عباد الرحمن.
موضوعنا اليوم مهم جدا ألا وهو العمل الصالح
..
وهذا من أعظم صفات عباد الرحمن، ولذلك الله -عز وجل- أكد على قضية لما أحدث التوبة أو أخبر بإحداث التوبة من العبد الصالح.. يعني من عباد الرحمن أكد الله –تعالى- قال:
{ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} ثم قال في الآية التي بعدها
{ وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَاباً }
وقوله {وَعَمِلَ صَالِحاً} يعني عمل بما أمره الله فأطاعه، وتجنب ما نهاه الله تعالى عنه، واجتنبه والله –تعالى- يذكر أن من يفعل هذه الأفعال المشينة التي ذكرها في الآيات
{ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ} قال: وأخبر أنه { يَلْقَ أَثَاماً } لكنه فتح الباب للنادمين
..
كما ذكرنا في الحلقة الماضية { إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ} الإيمان هو التصديق بما جاء به محمد -صلى الله عليه وسلم- قال: { وَعَمِلَ عَمَلاً} أي، وعمل بما أمره الله من الأعمال الصالحة، وانتهى عما نهاه الله –تعالى- عنه.. قال: { فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ}، وكان في حديث معاذ بن جبل؛ لأن الله –تعالى- أعطانا محاية.. محاية نمحي بها الذنوب، والسيئات.. فقال: "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحوها وخالق الناس بخلق حسن" هذه المحاور الثلاثة في الحديث جميلة، ورائعة.. يعني لا يتعدى التعامل في الحياة لأي إنسان.. لا يخرج عن هذه المحاور الثلاثة
.
التعامل مع الله.. التعامل مع النفس، والتعامل مع المخلوقين،
ولذلك رسم النبي -صلى الله عليه وسلم- في هذه المحاور الثلاث هذا المنهج الجميل الرائع.. التعامل مع الله قاعدته "اتق الله حيثما كنت"، والتعامل مع النفس "وأتبع السيئة الحسنة تمحها" والتعامل مع الناس "وخالق الناس بخلق حسن" والذي يهمني الآن في الحديث ما يخص هذه الصفة في هذه الحلقة هي العمل الصالح.. إذا وقع الإنسان في عمل سيئ.. يعني طبيعة البشر "كل بن أدم خطاء، وخير الخطائين التوابون" لكن هنا يتبع ذلك العمل السيئ عمل آخر صالح، ولذلك قال الله تعالى:
{ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ**** إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّـيِّئَاتِ}
لاحظ قال: {يُذْهِبْنَ} ولاحظ قال في الحديث "تمحو" تمحوها يعني تقضي عليها ما قال تمحوها.. تمحوها تقضي عليها تماما، ومن هنا كان جمال هذه النصوص في كيف فعلا تكون قضية محو السيئات، والقضاء عليها
توجيهات القرآن ومشاداة القرآن لمن ذلت قدمه أو أخطأ، ووقع في الذنب.. ألا يستمر في خطأه، والحمد لله لا يكفر بخطئه، ولا يخرج من الدين بخطئه.. بل يفعل حسنة، والحسنة هي عمل صالح، وينتهي الأمر بفضل الله –تعالى- ولذلك عباد الرحمن بشر، وهم غير معصومين هم يخطأون، ويصيبون كما قلت "كل بني أدم خطاء" لكن "خير الخطائين التوابون" إذا ما صفة عباد الرحمن؟ هل هم غير بقية الناس.. لا يذنبون.. لا.. هم كغيرهم من الناس يذنبون، ويخطأون.. لكنهم يتميزون بشيء آخر.. قد لا يتميز به آخرون، وهو أنهم لا يصرون على خطأهم لا يصرون على معصيتهم.. نعم ربما وقعوا في المعصية، والخطأ.. لكنهم لا يصرون عليها.. بل سرعان ما يتنبهون، ويخرجون أنفسهم من ظلمات المعصية ينقلونها إلى نور الطاعة.. إلى نور العمل الصالح.. يستغفرون الله.. يتوبون إلى الله، ولذلك يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- "التائب من الذنب كمن لا ذنب له" هذه فيها طرفة مرة من المرات.. يعني أحد الإخوة ذكر هذا الحديث فجاءه أعرابي يقول: يا شيخ الذنبله هذا وشي الذنبله وشي هو وصلها "كمن لا ذنب له" هذا المعنى، وليس الذنبلة كما أشار لها ذلك الأعرابي.. الله -عز وجل- يقول:
{وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ} ثم لاحظ قال:
{ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ما جزاء هؤلاء يا رب؟
قال:
{ أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ }
وبحسب العمل تكون منزلة الإنسان.. أي ميزان عند رب العالمين العمل الصالح، والتقوى، ولا ميزان غيرها،
{ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }
اعمل ما شئت.. قم بما شئت.. لكن قضية يعني منزلتك عند الله بقدر عملك الصالح.. ثم قال:
{ وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُواْ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ }
ويوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون، وقال:
{ يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوَءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} سيحضر العمل الصالح، والسيئ في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون، وقال:
{ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ } كل هذه تؤكد على قضية العمل، والعمل الصالح قال:
{ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ }
، { لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}
وهذا في سورة تبارك لما قال:
{بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.. { تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} قال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ} لماذا؟
{ لِيَبْلُوَكُمْ} يختبركم يمتحنكم { أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً} ما هي مادة الامتحان؟
ما هو موضوع الامتحان؟
{ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً}، {وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
إذا باختصار الإسلام الحق لا يفصل ما بين الإيمان، والعمل.. العقيدة الصحيحة تقول: العمل الصالح، والإيمان متلازمات، وفصلهما يؤدي إلى عزل الإسلام عن مجال الحياة تماما.. الذين يقولون: يعني الإيمان يكفي الإيمان بالقلب، ويكفي أن نشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله قلت له: يا أخي تفصل هذه المعاني أتجعل الإسلام شيء، والحياة شيء؟ ولا يمكن فصل الحياة عن الإيمان، وعن فعل الدين لله -عز وجل- هذا يؤكده قوله دع ما لقيصر لقيصر، وما لله لله.. من قال هذا؟ بل الإسلام جاء؛ ليكون الحياة كلها لله.. بهذه المعاني الجميلة، ولذلك جاءت التوجيهات النبوية تدعو إلى العمل تحث عليه كما في حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم- "إن الله لا ينظر إلى صوركم وإلى أعمالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم" ليس الإيمان بالتمني، ولا بالتحلي، ولكن بما وقر في القبل وصدقته الأعمال
.
من الذي يصدق ما في القلب هو العمل الصالح في الحديث القدسي الله –تعالى- يقول: "يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها" الله -جل وعلا- يعلن هذا.. قال: "فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه" والحديث عند مسلم في صحيحه، والأحاديث في هذا الباب عجيبة
النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة" فسيلة يعني فرخ النخلة الصغيرة نخلة التمر يقول: "إذا قامت الساعة وفي يد أحكم فسيلة فإن استطاع ألا تقوم حتى يغرسها فليفعل" لماذا؟ إلى آخر اللحظات ستقوم الساعة ما فائدة غرس هذه الفسيلة.. ستقوم الساعة.. سينتهي الأمر.. ما تدرك هذه الفسيلة أن تنتج، وتثمر للناس.. يعني سبحان الله! لاحظوا التربية إيمانية تربية الإسلام العظيم في نفس الإنسان إلى أن يعيش في هم العمل إلى آخر لحظة.. حتى وإن كان ستقوم الساعة حتى، وإن كان ستقوم الساعة..
مجرد النية في غرس الفسيلة هذا يكتب للإنسان فيها أجر، وعمل عند الله سبحانه وتعالى.
إذا لاحظ كيف أن النصوص من الآيات من القرآن كيف أن تربط الإيمان دائما بالعمل الصالح، وهذا تكرر في القرآن كثيرا.. الإيمان دون عمل يخالف توجيهات القرآن التي تقرن دائما، وأبدا بين الإيمان، وبين العمل الصالح عند النظر في آيات القرآن نجد أن كلمة العمل تعد أكثر الكلمات ورودا في القرآن.. ذكرها القرآن مرارا، وتكرارا بجميع مشتقاتها.. فأشار إلى كلمة عمل تسعة عشرة مرة، وعملوا ثلاث وسبعون مرة، وتعملون ثلاث وثمانون، ويعملون ست وخمسون مرة، وأعمالهم سبع وعشرون مرة، ويعمل أربعة عشر مرة.. فضلا عن بقية المشتقات التي ذكرت مرات، وأنها بمعنى أنها أعمل، ويعمل، وعملكم، وعملا، وأعمالكم، وأعمالنا، وعامل، وعاملون، وعاملين.. يصل مجموع هذه الإشارات إلى ما يقارب 330 مرة.
هناك أشارات أخرى أيضا عديدة في مترادفات كلمة العمل مثل فعل ويفعلون، وصنع ويصنعون، ومثل الأمر اليسير أكل الطيبات استباق الخيرات هذه كلها أعمال، ولو تأملنا هذه لوجدنا مضاعفة مثل هذه المعاني في القرآن؛ لأن كل القرآن جاء؛ ليجعل قلب الإنسان ينبض بالعمل، والجوارح كلها تتحرك بالعمل.. طيب من آمن وعمل صالحا ما هي النتيجة؟
الذي يؤمن عقيدة بأن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله ثم يعمل صالحا ما هي النتيجة؟ { مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}...
{ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } ما معني هذه الآية؟
يعني باختصار أيها الناس السعادة هي بالإيمان، والعمل الصالح.. الحياة الطيبة كما أخبر القرآن، وأخبرت هذه الآية الحياة الطيبة = الإيمان + العمل الصالح
.
لا تبحث عن الحياة الطيبة في غيرها؛ لأن الذي خلقك أيها الإنسان هو الله، والله تعالى أنزل القرآن، وأخبر في القرآن أن الحياة الطيبة لا يمكن أن توجد إلا في الإيمان + العمل الصالح.. هذا معنى الآية.. ثم تعال انظر بقية الآيات الكريمة في القرآن
{ وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُ جَزَاء الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْراً}،
{ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً}،
{ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً } قال:
{ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئاً}،
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً } من الذي له جنة الفردوس؟
من الذي يطلب الجنة؟
{ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} ويقول الحق -عز وجل- { إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً }،
وهنا يتأكد سؤال مهم.. متى يكون العمل صالحا؟ متى نعرف أن العمل هذا فعلا صالح.. لا يمكن أن يسمى العمل صالحا إلا بشرطين.. ذكرهم العلماء الإخلاص لله إذا أردت به وجه الله، والصواب في العمل.. هنا يكون العمل صالح، وإلا فما عداه لا يمكن أن يسمى عمل صالح ليس لأي أحد يعمل عملا، ويقول هذا عمل صالح.. إذا كان عملك لله هذا واحد.
الأمر الثاني: إذا كان العمل صواب وفق عمل الرسول -صلى الله عليه وسلم- فهنا والدليل على ذلك دليل الإخلاص قول الله -عز وجل- كما في سورة الكهف
{ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً }
شرط العمل الصالح لا يشرك بعبادة ربه أحدا.. يريد بهذا العمل وجه الله.. هذه واحد.. ثم يريد الصواب كما في الحديث "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد" يعني مردود عليه..
إذا فلا عبرة بالعمل إذا لم يكن خالص لله صواب على سنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم
-.
ولذلك صواب العمل.. يعني عدم السرقة.. الغش.. الاحتيال.. اللف والدوران على الناس.. أكل أموال الناس بالباطل إلى آخره.. كل هذا لا يمكن أن تكون من العمل الصواب؛ لأن كما يقول الغاية لا تبرر الوسيلة.. الغاية لا تبرر الوسيلة.. أي إذا كانت غايتك شريفة يجب عليك أن تصل إليه بالطرق المشروعة.. قد يقول قائل أنا غايتي أن أتصدق إذا أروح أسرق المال، وأتصدق فيه ما نقبل هذا منك، ولا يقبل الله -عز وجل- منك.. تسرق المال، وتتصدق فيه لا تبرر الغاية الوسيلة؛ لذلك تأمل معي هذا الحديث الجميل الرائع في معناه
"إنه ليس شيء يقربكم إلى الجنة إلا قد أمرتكم به وليس شيء يقربكم إلى الناس إلا قد نهيتكم عنه إن روح القدس نفس في روعي إن نفس لن تموت حتى تستكمل رزقها فاتقوا الله وأجملوا في الطلب ولا يحملنكم استبطاء الرزق أن تطلبوه بمعاصي الله فإن الله لا يدرك ما عنده إلا بطاعته" هذا الحديث له معاني جميلة.. الدين دين الإسلام.. ما حرمنا من شيء، وما نهانا عن شيء، ولا حرم علينا شيء إلا وفيه خير؛ لأنه لو فعلناه فيه ضرر لنا أو للمجتمع، وما أمرنا بشيء إلا وفيه خير لنا الله –تعالى- حكيم.. عليم بعباده.. ثم أتى مرة أخرى إلى أنوع العمل الصالح.. ما هي أنوع العمل الصالح؟
نوعان.. فرائض، ونوافل.. الفرائض دليلها "وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه" هذه الفرائض، ولذلك الله –تعالى- يخبر في هذا الحديث أن أفضل العمل الصالح الذي يتقرب به العبد إلى ربه هو الفريضة.. الفرائض سواء في الصلاة.. في الزكاة.. في الحج.. في الصيام إلى آخره.. ثم النوافل قال: "ولا يزالوا" لاحظ استمرار "ولا يزالوا عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه" إذا حتى هنا للغاية.. إذا أردت إن كان غايتك أن يحبك الله لابد أن تقوم بأمرين.. أن تقوم بالفرائض، وتستمر على النوافل حتى يحبك الله -عز وجل- والنوافل أنواع.. النوافل أنواع لا يشترط في النافلة أن تكون فقط في المسجد أو أن تكون في كما يتصور بعض الناس، ويأتي هنا في شمولية العمل
..
العمل الصالح ليس مربوطا يا إخوة في مظاهر العبادات الأخروية فقط في الصلاة، والصيام، والصدقة، وقراءة القرآن، ويظن بعض الناس وللأسف كثير من الناس يظن أن العمل الصالح مرتبط في قضية العبادات الأخروية لا حتى الأعمال الدنيوية الصالحة هي عمل صالح يؤجر عليه الإنسان ما دام حقق الشرطين السابقين أنه قصد به وجه الله، وثانيا العمل صواب.. إذا لاحظوا من الأفضل دائما.. يعني أن الإنسان يتنبه في أن علمه الدنيوي يستطيع أن يجعله عمل صالح، ولذلك تأمل هذا الموقف العجيب عن أنس كان مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في السفر فمنا الصائم، ومنا المفطر قال: فنلنا.. يعني ما نلنا من التعب.. فنزلنا منزلا في يوم حار.. فسقط الصائمون.. يعني خلاص هؤلاء الصائمون فقام المفطرون فضربوا الأبنية، وسقوا الركاب، ويعني جهزوا الإفطار للناس فقال النبي -صلى الله عليه وسلم- ذهب المفطرون اليوم بالأجر كله".. بالأجر كله
.
من اللي فاز هنا؟
الذين ما صاموا، ولكنهم قاموا، وعملوا، وخدموا أخوانهم فلهم الأجر، وهذا الحديث له معنى جميل رائع أن الأعمال الدنيوية، والأعمال التي يقوم بها الإنسان من مساعدة، وإعانة، ويعني توفيق للناس، وبناء للحضارة، وبناء للوطن، وغيرها من الأعمال التي فعلا يرجوها الإنسان ما دام رجاها عن الله -عز وجل- وأراد فيها رضا الله فهو يؤجر عليها، وتكون من العمل الصالح الذي يحبه الله.. الأمثلة كثيرة يا إخوة.. مجرد الابتسامة ابتسامتك في وجه أخيك صدقة، وأرجوا أن تبتسم الآن؛ لأن مجرد ابتسامتك الآن صحيفتك يكتب لك أجر فيها.. لا تحرم نفسك
.
بعض الناس حتى وهو يسمع هذا الكلام تجد سبحان الله! كأن أسنانه كأن الأسنان عورة لا تكاد ترى أسنانه يا أخي ابتسم، والابتسامة لها أثار كبيرة غير أنها أجر عند الله -عز وجل- كم تشرح من الصدر تشرح من النفس.. كما قال قرأت مرة أن الابتسامة لدقيقة ابتسامة صادقة من النفس تساوي ساعة رياضة، وهذه فرصة للأجازين اللي ما عندهم فرصة أن يمارسون الرياضة.
إذا كثير من الأعمال الدنيوية ممكن أن تكون عمل صالح يؤجر عليه.. الابتسامة شيء.. إدخال السرور على الآخرين شيء.. إماطة الأذى عن الطريق صدقة.. النوم كما قال بعض الصحابة إني لأحتسب نومتي كما أحتسب قومتي.. لكن ما بشرط تنام 24 ساعة، ولا 20 ساعة، وتقول والله أنا قاعد أتعبد إلى الله.. لا.. القضية 8 ساعات.. 6 ساعات تنشط فيها جسد الإنسان يرجع مرة أخرى؛ ليقوم بمهمته، ووظيفته في الحياة
هذه من المعاني اللقمة تضعفها في فيه امرأتك كما جاء في الحديث أحاديث كثيرة جدا دلت على مثل هذا النبي -صلى الله عليه وسلم- "ما أكل أحد طعام قط خير من أن يأكل من عمل يده، وإن نبي الله داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده" رغم أن داود -عليه السلام- لم يكن بحاجة.. كان خليفة في الأرض كما أخبر القرآن.. إنما ابتغي الأكلة من الطريق الأفضل، وهو كسب اليد.. ما كسب الرجل كسب أطيب من عمل يده، وما أنفق الرجل على نفسه، وولده، وخادمه فهو صدقه كما يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول أيضا "والذي نفسي بيده لأن يأخذ أحكم حبله فيحتطب على ظهره خير له من أن يأتي رجل فيسأله أعطاه أو منعه" والحديث متفق عليه.. والله –تعالى- يربي هذا في المؤمن { فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ }، {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}.
كل هذه معاني في قضية العمل الصالح.. الإنسان إذا خرج يسعى على ولده، وعلي صغاره يكتب له فيها، وكل هذه جاءت فيها نصوص.. نوح -عليه السلام- يا أخي يعني نوح -عليه السلام- ماذا كان يعمل؟ كان نجارا.. محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يرع الغنم.. أبو بكر كان بزازا يتاجر بالثياب، والمنسوجات.. الخليفة عمر (رضي الله تعالى عنه) كان يرتاد الأسواق، ويبيع، ويشتري، وقد صرح.. يعني مرة أنه انشغل في البيع، والشراء عن تلقي العلم.. كان يتناوب هو وجاره كان مرة هو يأخذ العلم، ومرة يذهب للسوق، وجاره يفعل ذلك.. يعني هذه كلها الصحابة كانوا يكسبون رزقهم عن طريق التجارة، ومزاولة بعض المهن.. يعني أبو هريرة (رضي الله تعالى عنه) يقول: إن إخواننا من المهاجرين كان يشغلهم السفق.. يعني التجارة في الأسواق، وإن إخواننا من الأنصار كان يشغلهم العمل في أموالهم.. إذا عمر (رضي الله عنه) يقول: لا يغد أحدكم عن طلب الرزق وهو يقول: اللهم أرزقني، وقد علم أن السماء لا تمطر ذهبا، ولا فضة.. وإنما يرزق الله الناس بعضهم من بعض
.
كل هذه معاني تؤكد حقيقة.. حقيقة العمل الصالح الذي لا يشمل فقط العبادات الأخروية كما نظن.. بل حتى العمل الدنيوي في السعي، والكسب، والتجارة، وغيرها إذا قصد الإنسان فيها وجه الله -عز وجل- وتحرى فيها الحلال، والصواب.. فسوف يؤج عليها ما دام النية، وهنا يسمى "إنما الأعمال بالنيات" يسميه بعض العلماء الحديث المحول العجيب.. كيف أنه يحول العادات إلى عبادات، ومواقف كثيرة حقيقة لبعض كيف كان السلف (رضوان الله تعالى عليهم) في الصناعة، وفي العمل
..
يعني قبل أن أختم الحلقة أتكلم عن قضية البطالة.. البطالة، والعمل الصالح أنه صفة من أعظم صفات عباد الرحمن.. يعني من خلال ما تقدم يتبين كيف أهمية العمل الصالح في الإسلام.. كيف تعتبر الحياة الدنيا بأسرها معركة في سبيل العمل الصالح، ولم أجد الإنسان إلا بن سعيه فمن كان أسعى كان بالمجد أجدر، وبالهمة العلياء، وبالهمة العلياء ترقى إلى العلا.. فمن كان أعلى همة كان أظهرا، ولم يتأخر من أراد تقدم، ولم يتقدم من أراد تأخر إذا السلوك الشخصي للنبي -صلى الله عليه وسلم- قبل البعثة، وبعدها هو النموذج الحي للتشجيع على العمل، والاحتراف كان يرعى الغنم.. ثم كان يتاجر في أموال عائشة -صلى الله عليه وسلم- ولم يمنعه ذلك أيضا من وظيفته في الرسالة، والتبليغ للناس بعد أن أكرمه الله –تعالى- بالنبوة كان حتى في مهنة أهله يخصف نعفه، ويرقع ثوبه، ويكنس بيته.. يعني كان -صلى الله عليه وسلم- يعمل لا ينفع العلم بدون عمل كما قال على العلم يهتف بالعلم فإلا أجابه، وإلا ارتحل العرب قديما كانوا يقول صنعة في اليد أمان من الفقر.. اليوم الكثير من الشباب يتصور أن مفهوم البطالة يجب أن يحرر لدى الشباب اليوم.. يعني لابد أن أحصل على وظيفة في الدولة على وظيفة في المؤسسة في الحكومة إلا معنى ذلك أن هناك بطالة
يا أخي أبائنا إلى عهد قريب ما كانوا يعرفون أي اسم وظيفة في الدولة إلى عهد قريب.. يعني كانوا يبيعون في الأسواق، ويشترون، وكان منهم البناء، والنجار والحذاء، وكانوا يدخلون في الأسواق لما هذه الثقافة أصبحت نموذج للناس وللأسف أن وظيفة في الحكومة، وإلا لا يمكن للإنسان أن يعمل.. دلوني على سوق المدينة، وأذكر والله مواقف كثيرة جدا في هذا الجانب يعني أعرف امرأة كانت فقيرة تعول عيال أرملة.. يعني كانت تتحمل قضية الإيجار.. إيجار المنزل وأولادها، وكبر بناتها، وأولادها، وأصبح الكثير منهم يريد متطلبات العيش الحياة مثل الناس، وكانت تشكي حالها فيوم من الأيام أقترح لها أن تشري.. يعني إحنا نسميها مقرصة الخبز هذا فأقترح لها أن تقرض مبلغ من المال، وتشري عدد من هذه الأجزاء للي نسميها إحنا المقرصة، وتعمل عليها، ورتبنا مع أحد المحلات الكبيرة أن يبيعون.. يعني نتاجها، وفعلا بدأ بيع النتاج كم تستطيعين أن تعملين يا خالة في اليوم من قرص من كيلوا؟ فكانت تعمل فعلا في اليوم خمسة.. سبعة.. ستة كيلوا.. فبدأ الطلب عليه أن صناعة كما يقول: وطنية موثوقة.. بدأ الطلب عليها بشكل كبير زادت عليها الأجهزة.. بدأت تستعين ببناتها، وأولادها.. بدأت تنتج في اليوم 40 ،50 كيلو فبدأ الطلب.. بدأت ترتفع أسعارها يقول لي صاحب المحل، والله نعطي لهذه المرأة تصفية لحقوقها ما بين الشهر، والشهر، والنص إلى خمسة عشر ألف ريال، وكنت أنا أن ذاك شغال في رسالة الدكتورة، ولا أستند إلى ست آلاف ريال.. قلت: لعلي أترك الماجستير والدكتورة، وأجلس أقرص أزين لنا ما دام بيحصل خمسة عشر ألف ريال.. يعني معناه أن السوق فاتح أبوابه.. لكن علينا أن نحرر مفهوم البطالة من رؤوسنا، وأعرف مواقف كثيرة جدا في هذا الجانب، ولعل هذا يحتاج حلقة أخرى في تحرير مفهوم البطالة عند الناس.
الشاهد أن العمل الصالح الذي جاء صفة من صفات عباد الرحمن لابد أن يقترن بالإيمان، والشهادة بأن لا إله إلا الله، وأن محمد رسول الله، وأن العمل الصالح لا نتصور أنه محصور في قضية، ولا صلاة، وصيام وصدقة، وقراءة قرآن، وإنما هو أيضا دنيا أيضا كاملة حياتية معركة حياة من صدق فيه أخلص النية لله -عز وجل- عمله صالح، وصواب ليس حراما، ولا غشا، ولا كذبا، ولا احتيالا، وقصد النية لله تعالى هذا من العمل الصالح.
الذي يؤجر عليه الإنسان يا أحبابي ما أحلى الحياة، وأجملها بهذا المعنى الجميل